لبنان، تاريخ. يحتل لبنان موقعا استراتيجيا وتجاريا مهما. وقد مارس أهله، وبخاصة في المدن الساحلية منذ وقت مبكر حرفة التجارة. ويعود معظم سكان لبنان في أجناسهم إلى الأصل السامي؛ حيث قدموا إلى بلاد الشام من الجزيرة العربيّة منذ حوالي سنة 3000 ق.م. مثل: الكنعانيين والعموريين والفينيقيين وغيرهم.
التاريخ القديم
الفينيقيون. سكن الفينيقيون بعد هجرتهم من جزيرة العرب الساحل السوريّ، وانتشروا على طوله، وأسسوا ممالك فينيقيّة صغيرة كانت في غالب الأحيان متنافرة ومتحاربة ومتنافسة في مجال التجارة التي هي أهم مورد اقتصاديّ لها وقتذاك. وامتدت الممالك الفينيقية من الشمال إلى الجنوب على طول الساحل السوري، من أهمها: أوغريت، وإرواد، وطرابلس، وبيروت، وجبيل، وصيدا، وصور.
ويغلب على تاريخ تلك الممالك أنها لم تكن مستقلة إنما ظلت تتبع لدول كبرى احتلت المنطقة أو إمبراطوريات واسعة ضمت في بوتقتها السياسيّة بلاد الشام أو أجزاء منها. ومعروف أن الفينيقيين كانوا قد اشتهروا بالتجارة، ووصلت رحلاتهم التجاريّة إلى مناطق بعيدة عن بلادهم مثل مناطق البحر الأبيض المتوسط، فتاجروا مع سكان فلسطين، وسوريا، وتونس، ومع اليونان، وإيطاليا، وفرنسا وشبه جزيرة الأناضول، كما تاجروا مع مناطق الخليج على طول ساحله، وأصبحت لهم خبرة كبيرة في ركوب البحار والتعرف على الطرق التجاريّة فيها، وعملوا على صنع سفنهم التي يتاجرون بوساطتها ويتنقلون بها من بلد لآخر. وبناءً عليه فقد طبع الفينيقيون المناطق التي سكنوها والمناطق التي ارتادوها طلبًا للتجارة، بطابعهم الحضاري المنفتح والمتفوق على غيره.
خضع لبنان لحكم الآشوريين والبابليين، والكلدانيين، والفرس، واليونان في ظل حكم الإسكندر وخلفائه، خاصة الإمبراطوريّة السلوقيّة. ثم خضع إلى الحكم الرومانيّ، وعندما انقسمت الإمبراطوريّة الرومانيَّة إلى إمبراطوريتين غربيّة وشرقيّة أصبح لبنان تابعًا للدولة الرومانية الشرقيّة (بيزنطة). ولما جاء الفتح الإسلاميّ إلى المنطقة أصبح لبنان يشكل جزءًا من أرض المسلمين بعد ما فُتح من قبل الجيوش الإسلامية في عهد الخليفة عمر بن الخطاب. وكان لسكان لبنان علاقة بدولتي تدمر والغساسنة، ودولة الأنباط وغيرهم قبل مجيء الفتح الإسلاميّ لتلك المنطقة. وعليه فإن لبنان بلد عربي سامي في حضارته وثقافته وتاريخه.
العثمانيون. حكم العثمانيون بلاد الشام، ومنها لبنان في عهد السلطان العثمانيّ سليم الأول، عام 1516م على إثر واقعة مرج دابق الحاسمة، التي تغلب فيها الجيش العثمانيّ على جيش المماليك، وبذلك أنهى العثمانيون الوجود المملوكيّ في جبل بلاد الشام جميعها.
أيّد معظم أمراء لبنان الحكم العثماني لبلاد الشام، وكان على رأس المؤيدين للسلطان سليم الأول الأمير المعني فخر الدين أمير المعنيين في جبل لبنان وغيره من أمراء الطوائف اللبنانيّة الأخرى. وقد أمَّر السلطان العثماني الأمير فخر الدين المعني على إقطاعياته وكذلك فعل بالنسبة لباقي أمراء جبل لبنان.
التنظيم العثمانيّ الأول لبلاد الشام. نظم العثمانيون بلاد الشام كلها تنظيمًا إداريًا متوخين بذلك فرض سيادتهم على الجميع. وجدير بالذكر أن التقسيمات الإداريّة العثمانيّة في بلاد الشام كانت دائما في حالة من التغير والتبدل تبعًا لتغير الظروف العامة والأوضاع المحليّة والسياسية. وجاءت التنظيمات العثمانيّة الإداريّة في بلاد الشام على النمط الآتي: 1- ولاية دمشق وقد تبعها كل من السناجق (الأقضية): بيروت، صيدا، تدمر، القدس، نابلس، غزة. 2- ولاية حلب وقد ضم إليها جميع الأجزاء الشماليّة من البلاد السوريّة. 3- ولاية طرابلس، وضمت حماة وحمص. 4- ولاية صيدا وقد سلخها العثمانيون عن ولاية دمشق.
القوى المحليّة. يتمتع لبنان بموقع استراتيجيّ مهم من حيث الساحل، والجبل، وله تكوينات اجتماعيّة متميزة، ففيه تركيبة مذهبيّة وطائفيّة معقدة لابد أن يحسب حسابها في كل المسائل التي تواجهها البلاد. ولسكان لبنان بسبب هذه التركيبة احتكاكات وصلات بالدول الأوروبيّة مثل فرنسا، وإيطاليا، وبريطانيا، وروسيا وغيرها.
أخذ لبنان طابعا إداريا خاصا. ففي الجبال عاش النصارى، بحرية وأمن واستقرار. وانتشر المذهب الدرزيّ في منطقة الجبل اللبنانيّ، تعاقب على حكم لبنان الأسرة المعنية التي برز من بينها فخر الدين المعني، وقد قوي أمر الدروز في ظل حكمه. وقد أعقبت هذه الأسرة في الحكم الأسرة الشهابية من الطائفة الدرزية التي برز منها الأمير بشير الدين الشهابي. وأصبحت لها علاقة بدولة بريطانيا التي أخذت تدعم وتؤازر الدروز ضد الطائفة المارونيّة كحلقة من حلقات التنافس الاستعماري في الشرق بين بريطانيا وفرنسا التي تدعم الموارنة في لبنان.
التدخل الأوروبي في لبنان
وفي فترة ضعف الدولة العثمانيّة أخذت الدول الأوروبيّة الكبرى تتصل بالقوى المحليّة في لبنان، وبدأت تحرضهم ضدها لتنال من ضعفها، كما أن بعض القوى المحليّة أخذت تتصل بالدول الأوروبيّة لتدعم مكانتها المحليّة ضد القوى المحليّة الأخرى المنافسة لها. وقد شعر العثمانيون أن وضع جبل لبنان الداخليّ لا يبعث على الاطمئنان فرأوا أن يعملوا على تنظيمه إداريًا بشكل يتناسب مع ظروفه الحاضرة، فقسموا لبنان إلى قسمين:
القسم الشمالي وعينوا عليه قائمقامًا مارونيًا. والقسم الجنوبي وعينوا عليه قائمقامًا درزيًا
ومع هذا لم يصبح وضع القائمقاميتين أفضل ممّا كانتا عليه في السابق، ولم تستقر الأمور الداخلية فيهما. فقد وقعت في جبل لبنان خلافات طائفيّة حادة خاصة بين الدروز والموارنة عام 1841م، وكذلك عام 1845م.
حاولت الدولة العثمانية على الرغم من ضعفها أن تمسك بزمام الأمور، فأنشأت مجلسين منتخبين يشاركان في إدارة القائمقاميتين جنبًا إلى جنب مع القائمقامين على الشمال والجنوب في جبل لبنان. إلا أن الاضطرابات المحليّة في الجبل لم تتوقف، فقد توترت الأوضاع من جديد بين الدروز والموارنة عام 1860م. وتدخلت الدول الأوروبيّة في النزاع الداخليّ في الجبل، حتى أن فرنسا أرسلت عام 1860م حملة عسكريّة فرنسيّة مؤلفة من ستة آلاف جنديّ، إلاّ أن الدولة العثمانية أسرعت وحلت الخلاف بشكل يرضي جميع الطوائف.
ولما وصلت الحملة الفرنسية إلى لبنان وجدت أن الأمر قد حل، فاضطرت إلى الانسحاب. وتعدّ هذه الحملة، على الرغم من أنها لم تفعل شيئًا، بمثابة إنذار للدولة العثمانية، وبمثابة دعم وتأييد للجماعات المارونيّة، وهي أيضًا بمثابة مناورة عسكريّة أرادت بها فرنسا أن تلفت نظر الإنجليز إلى أن لبنان والمناطق السوريّة هي ضمن خريطة الاستعمار الفرنسي في الشرق.
وقد تدخلت الدول الأوروبيّة في الصراع الدرزيّ المارونيّ بشكل سافر، فأرسلت دول أوروبا لجنة إلى إسطنبول لدراسة الموقف برمته مع السلطان العثماني والباب العالي، وتم الاتفاق على منح جبل لبنان نظامًا إداريًا خاصًا به، وعرف هذا الاتفاق بنظام عام 1861م، وقد حدث فيه تعديل بعد مرور ثلاث سنوات أي عام 1864م. وعرف هذا الاتفاق المعدل للاتفاق السابق بالقانون الأساسيّ. وقد وقعت عليه فرنسا وبريطانيا والنمسا وروسيا وبروسيا والدولة العثمانية. ونص القانون الأساسيّ على الآتي:
1- تنظيم لبنان إداريًا من جديد، وإلغاء العمل بالتقسيم الإداريّ السابق الذي قسم جبل لبنان إلى قائمقاميتين.
2- أن يصبح جبل لبنان ولاية عثمانية مستقلة في شؤونها الداخلية.
3- أن يحكم ولاية لبنان المستقلة حاكم عثمانيّ نصرانيّ يعينه الباب العالي، بعد أن توافق على تعيينه جميع الدول التي وقعت على ميثاق القانون الأساسي.
4- أن تكون مدة ولاية المتصرف خمس سنوات، يرأس خلالها السلطة التنفيذيّة، ويكون مسؤولاً أمام الباب العالي.
5- أن يشكل مجلس إدارة من اثني عشر ممثلاً عن الطوائف في الجبل يساعد المتصرف في إدارة شؤون جبل لبنان.
6- أن تضم متصرفيّة لبنان جبل لبنان، ولا يدخل ضمنها سهل البقاع، ووادي التيم، ومدن الساحل مثل بيروت وطرابلس وصور وصيدا التي ستبقى خاضعة مباشرة لولاة الدولة العثمانيّة، وأن يظل تنظيمها الإداري على حاله.
7- أن يقسم جبل لبنان إلى سبعة أقضية، يرأس كل قضاء قائمقام من الطائفة التي تمثل الأكثريّة في القضاء.
8- أن يقسم كل قضاء إلى مديريات محليّة يتصرف في إدارتها المحليّة شيوخ ينتخبهم السكان.
9- أن يمنح القانون الأساسي كل مواطني الجبل أو ما يعرف بمتصرفيّة جبل لبنان حق المساواة أمام القانون. 10
- أن تنظر دعاوى رجال الدين أمام محاكم دينيّة.
11- أن تلغى جميع امتيازات الإقطاعيين.
12- أن ترفع الدعاوى التجاريّة أمام محاكم تجاريّة خاصة.
13- أن يعين المتصرف جميع القضاة، ويشكل مجلسًا تأديبيًا للقضاة في حال المخالفات. 14
- أن يقاضى المجرم في المكان أو الناحية التي ارتكب فيها الجرم.
15- أن تشكل في الجبل فرقة عسكرية لبنانية، وفرقة شرطة تساعد المتصرف في تثبيت الأمن وجمع الضرائب من السكان.
16- أن يجري المتصرف إحصاءً للسكان، وتشكل لجان فنيّة لمسح الأراضي في المتصرفيّة ووضع الخرائط لها.
وتأسيسًا عليه فإن فتنة عام 1861م كان لها نتائج خطرة على لبنان برمته، فقد تمخض عنها وجود نظام حكم قائم لمتصرفيّة لبنانيّة كان يعمل جاهدا على الاستقلال عن الحكومة العثمانيّة. وقد فتح الوضع الإداريّ الجديد لجبل لبنان نافذة واسعة على أوروبا، وهو أمر جر إلى تدخل تلك الدول بشكل واسع في شؤون لبنان وطوائفه. وقد تطور مفهوم التدخل الأوروبيّ في لبنان إلى استغلال الامتيازات الأجنبيّة التي تحولت فيما بعد إلى نوع من الحماية الأجنبيّة، وزاد بموجبه نشاط الجمعيات التنصيريّة في البلاد. كما أن الفتن المتعاقبة بين الطوائف في جبل لبنان قد أحدثت شرخًا في العلاقة الحسنة التي ظلت تسود مجتمع الطوائف اللبنانيّة.
ومن خلال تلك الأوضاع المتزامنة مع ضعف الدولة العثمانيّة برزت فكرة القوميّة العربيّة، والحركة الوطنيّة العربيّة المناهضة للحكم العثماني في بلاد الشام، وقد تجلى هذا المفهوم الفكري الرامي إلى إحياء العروبة من خلال حركة إحياء اللغة العربية، والأدب العربي، والتاريخ العربي ومحاولة إحياء التراث العربي برمته. وقد تعمق هذا الفكر العربي وتوسع في بلاد الشام في أعقاب بروز القومية الطورانيّة التركية التي حمل لواءها أتباع جمعيّة الاتحاد والترقي، فكان نمو الفكر العربي وتعمقه ردة فعل للاتجاه التركيّ المتعصب الذي ركز على تعزيز سياسة التتريك والإضرار بالعرب. وقد نشط الفكر العربي في بلاد الشام من خلال كتابات اليازجي والبستانيّ، وهما طليعة رواد الفكرة العربية.
وطبيعي أن الأهالي في لبنان لم يكونوا بمعزل عن تلك الأحداث، خاصة وأن التعليم كان قد انتشر، وحدث معه تفتح في الوعي لدى الشعب العربي في بلاد الشام، بسبب التعرف على التيارات الغربية.
الانسحاب التركي. تأزم الوضع الداخلي في لبنان في أعقاب اندلاع الحرب العالمية الأولى سنة 1914م، وتأزم الموقف المالي فيه بسبب الحرب، وانقطاع تدفق الأموال عليه من قبل رعاياه في المهجر. وساءت علاقة الدولة العثمانيّة بأهالي لبنان، خاصة بعد نمو فكرة العروبة، وتأسيس الجمعيات والهيئات العربيّة المناهضة للحكم العثماني.
انسحب الأتراك من بلاد الشام: سوريا، ولبنان، وفلسطين بعد انتصار دول الوفاق في الحرب العالمية الأولى على دول الوسط. ودخل الأمير فيصل بن الحسين دمشق، وأقام في بلاد الشام حكومة عربيّة منهيًا الوجود العثماني فيها، فأرسل القائد شكري باشا الأيوبيّ حاكمًا عامًا على لبنان، ومقره بيروت التي أصبحت تشكل مركز الثقل بالنسبة للبنان كله. وعين عمر الداعوق حاكمًا على بيروت، وحبيب باشا السعد حاكمًا على جبل لبنان. وهكذا رفع علم الحكومة العربية في بيروت، وذلك في 6 أكتوبر 1918م.
...يُتبع
مع تاريخ لبنان والتدخل الأروبي في لبنان رد مع اقتباس
--
الانتداب الفرنسي على لبنان
وقعت لبنان تحت الانتداب الفرنسي بناءً على مقررات مؤتمر سان ريمو الموقع في أبريل عام 1920م، وقسمت بلاد الشام إلى ثلاثة أقسام هي: سوريا ولبنان وفلسطين. وعهد إلى فرنسا بالانتداب على سوريا ولبنان، وعهد إلى بريطانيا بالانتداب على فلسطين والعراق بما فيها الموصل، وذلك بناءً على مخططات معاهدة سايكس ـ بيكو عام 1916م.
رفضت فرنسا قيام حكومة عربية بزعامة الأمير فيصل في دمشق ووجه الجنرال غورو في 14 يوليو عام 1920م إنذارًا إلى فيصل بن الحسين يطلب فيه قبول الانتداب الفرنسي فورًا، وإلغاء قانون التجنيد الإجباري، وتسريح الجيش العربي. وعلى الرغم من أن فيصل رد على غورو بالقبول، إلا أن غورو رفض الرد مدعيًا أنه جاء في وقت متأخر عن الموعد المحدد له. فتقدمت القوات الفرنسية نحو دمشق واحتلتها بالقوة بعد موقعة ميسلون في 25 يوليو 1920م. ثم تقدمت القوات الفرنسية فاحتلت لبنان الساحل ولبنان الجبل، وانسحبت منها قوات الحكومة العربيّة وعين غورو على جبل لبنان حاكمًا فرنسيًا عسكريًا مُنِحَ صلاحيات متصرف الجبل في العهد العثماني، ووضعت المنطقة اللبنانية الساحلية تحت إدارة كولونيل فرنسي. وعين جورج بيكو مفوضًا ساميًا على لبنان يتمتع بكل الصلاحيات السياسيّة والإدارية.
اضطرت فرنسا تحت ضغط المقاومة الوطنيّة في سوريا ولبنان أن تسمح للبنانيين بالاشتراك في وضع دستور للبلاد، ثم أعلنت الجمهورية في 23 مايو عام 1926م. وبموجب الدستور الجديد أصبح للبنان مجلسان: مجلس الشيوخ اللبناني، ومجلس النواب اللبناني. وقد دعي المجلسان لانتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية الجديدة في 26 مارس عام 1926م، وفاز بالرئاسة شارل دباس.
وبإعلان الجمهورية يكون الفرنسيون قد أنهوا حكمهم المباشر للبنان. وفي عام 1932م، علق المفوض الساميّ الفرنسي الدستور اللبناني، وحل مجلس النواب اللبنانيّ والوزارة اللبنانيّة، وعين شارل دباس رئيسًا للدولة لأجل غير مسمى يساعده في إدارتها مجلس مديرين، وظل دباس على رأس الدولة حتى عام 1933م، بعدها عين الفرنسيون حبيب باشا أسعد رئيسًا جديدًا للجمهورية اللبنانية لمدة سنة، ثم جدد له سنة أخرى.
معاهدة عام 1936م. عقدت فرنسا مع لبنان معاهدة عام 1936م، على نمط المعاهدة التي وقعتها فرنسا مع سوريا في العام نفسه، والتي عرفت بمعاهدة التحالف بين فرنسا وسوريا. وجاءت معاهدة عام 1936م، بناءً على مطالبة بعض الطوائف اللبنانيّة مساواة بلادهم بسوريا، وقد تجاوبت فرنسا مع تلك المطالب، خاصة وأنها ظلت تقف ضد اللبنانيين الذين طالبوها بقبول إعادة ضم لبنان إلى سوريا، أما عن أهم ما تضمنته تلك المعاهدة فهو: أ ـ مدة المعاهدة 25سنة. ب ـ يحق لفرنسا إبقاء قواتها العسكريّة في أي مكان من لبنان. ج ـ العمل بالدستور اللبناني المطابق لدستور عام 1926م الذي عمل به عند إعلان قيام الجمهورية اللبنانية.
قابل الشعب اللبناني معاهدة عام 1936م بالاستياء التام، واعتبرها ضربة موجهة ضده. وخرجت المظاهرات في بيروت وخارجها، وأحاط المتظاهرون بالمجلس النيابيّ اللبناني مرددين شعارات معادية للمعاهدة، ومطالبين المجلس النيابي اللبناني بعدم التوقيع عليها. لكن القوات الفرنسية فرقت المتظاهرين ووقع النواب على المعاهدة التي سمحت شكليًا للبنانيين بحق ممارسة العمل بالنظام الدستوري.
حدث تعديل جديد على قانون الانتخاب اللبناني عام 1937م، أصبح بموجبه ثلثا أعضاء المجلس ينتخبون على الأساس الطائفي، والثلث الباقي يعين تعيينًا، وهو أمر رفضه اللبنانيون، وقاطعوا الانتخابات، ولم ينضم إلى المجلس النيابي إلا عدد قليل من النواب انشغلوا بالخصومات الداخلية والطائفية. وفي العام نفسه أصدر المندوب السامي الفرنسي قرارًا يقضي بأن تصبح مدة رئاسة الجمهورية ست سنوات ولفترة واحدة، ويمكن إعادة انتخاب رئيس الجمهورية ثانية بعد مرور ست سنوات على تركه الرئاسة أول مرة. على الرغم من توقيع معاهدة عام 1936م التي نصت على أن تكون كل السلطات الفعليَّة بيد اللبنانيين، إلا أن الحكم الفعلي قد بقي بيد المفوضين الساميين، والمستشارين الفرنسيين الذين عينتهم فرنسا في كل الإدارات الحكومية اللبنانية.
لبنان والحرب العالمية الثانية
هُزمت فرنسا أثناء الحرب العالمية الثانية أمام قوات ألمانيا، وتشكلت حكومة فرنسية موالية للألمان، فأصبحت أكثر المستعمرات الفرنسية، ومراكز النفوذ الفرنسي، ومنها سوريا ولبنان تحت سيادة حكومة فيشي. أرسلت حكومة فيشي إلى سوريا ولبنان مندوبًا ساميًا ليعمل على إدارة البلاد وسياستها في ظل الحكومة الفرنسية. ولم يدم حكم حكومة فيشي طويلاً؛ إذ تمكنت القوات الفرنسية الحرة التي كان يتزعمها الجنرال ديجول ومعها القوات البريطانية من دخول بلاد الشام، وإسقاط الوضع القائم فيها، وعين الحلفاء الجنرال كاترو مندوبًا ساميًا جديدًا على سوريا ولبنان. وقد أذاع الجنرال الذي كان يمثل حركة فرنسا الحرة بيانًا وعد فيه اللبنانيين والسوريين بالاستقلال. وقد حاول الفرنسيون الإبطاء في الإعلان عن الاستقلال التام. لكن الشعبين السوري واللبناني أصرا على ذلك، فاضطر الفرنسيون إلى إعلان استقلال لبنان وسوريا عام 1941م.
استقلال لبنان
على الرغم من أن لبنان نال استقلاله من فرنسا عام 1941م، إلا أن الأمور ظلت غير مستقرة. فقد تقدمت الحكومة اللبنانية بمذكرة رسمية إلى الحكومة الفرنسية تطالب فيها بتعديل الدستور اللبناني من جديد حتى يتواءم مع الظروف اللبنانيّة التي أعقبت إعلان الاستقلال. لكن الفرنسيين لم يكترثوا بهذا الأمر وظلوا يماطلون ويسوِّفون، واقترحوا فكرة توقيع معاهدة فرنسية ـ لبنانية جديدة تحل محل معاهدة عام 1936م. لكن الحكومة اللبنانية رفضت هذا المطلب الفرنسي، وبعثت والحكومة السورية مذكرة مشتركة إلى الحكومة الفرنسية تطالبان فيها بتحويل المفوضية الفرنسية العامة في كل منهما إلى دار تمثيل دبلوماسي، ممّا أزعج الفرنسيين. وبعد مشاورات وضغوط سورية ولبنانية مشتركة تقرر تنفيذ مبدأ الاستقلال. فانتخب مجلس نيابي جديد عام 1943م، وانتخب رئيس للجمهورية في 21 سبتمبر عام 1943م، هو الشيخ بشارة الخوري. وألفت حكومة لبنانية جديدة برئاسة رياض الصلح.
أخذت وزارة الصلح تنظم أمور البلاد على أساس الاستقلال بدلاً من التبعية لحكومة الانتداب الفرنسي. وطلبت من المجلس النيابي تعديل الدستور اللبناني كي يتمشى مع ظروف الدولة اللبنانية المستقلة، وكان ذلك في 8 نوفمبر عام 1943م. لكن الحكومة الفرنسية لم توافق على مشروع تعديل الدستور اللبناني، ووجه نائب المفوض السامي الفرنسي إنذارًا إلى الحكومة اللبنانية لوقف مشروع تعديل الدستور، وقد دعم مجلس النواب اللبناني الحكومة اللبنانية وموقفها الرامي إلى تعديل الدستور ليتـناسب مع مرحلة الاستقلال. فأقر المجلس النيابي تعديل الدستور المعروض عليه، وأعلن ذلك رئيس الجمهورية اللبنانية.
أصدر المفوض السامي الفرنسي تعليماته بحل مجلس النواب وتعليق العمل بالدستور واعتقال رئيس الجمهورية بشارة الخوري ورئيس الحكومة رياض الصلح عام 1943م، كما اعتقل كميل شمعون وعادل عسيران. وفي صباح يوم 11 نوفمبر عام 1943م تجمع النواب والوزراء برئاسة صبري حمادة رئيس مجلس النواب، وطالبوا بإلغاء الإجراءات التعسفية التي مارسها المفوض السامي الفرنسي. وأحاطت جماهير الشعب اللبناني بمجلس النواب، وهتفوا بإطلاق سراح المعتقلين، مرددين شعارات الحرية والاستقلال. قام صبري حمادة ورفاقه بتغيير علم لبنان الذي وضع في ظل الاحتلال بعلم لبناني جديد يحمل مفهومًا وطابعًا لبنانيًا، فصار علم لبنان مؤلفًا من ثلاثة أقسام أفقيّة: الأحمر، والأبيض، والأحمر، وفي الوسط أَرْزَة خضراء داخل اللون الأبيض، ويرمز اللونان الأحمر والأبيض إلى لوني علم فخر الدين: الأحمر شعار القيسيّة، والأبيض شعار اليمنيّة.
رفع رئيس مجلس النواب ورفاقه مذكرة شديدة اللهجة إلى ممثل الحكومة الفرنسية في لبنان، وإلى الدول العربيّة الشقيقة المجاورة استنكروا فيها أعمال البطش التي يمارسها الجنود الفرنسيون والشرطة اللبنانية المساندة للمفوض الفرنسي. وأرسلوا مذكرة أخرى إلى سفيري بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية في لبنان، وإلى حكومتي مصر والعراق، شرحوا فيها الوضع المتردي في لبنان، وسوء تصرف المفوضية العامة الفرنسية في لبنان، والإجراءات التعسفية وغير القانونية التي مارسها المفوض السامي الفرنسي في لبنان والمسؤولون الفرنسيون فيه. وقد أيد الشعب اللبناني بكل طوائفه وفئاته الإجراءات الوطنيّة التي اتخذتها حكومته، وما قام به أعضاء مجلس النواب من إجراءات أثناء اعتقال رئيس الجمهوريّة اللبنانيّة ورئيس حكومته وغيرهما من الأحرار. وعمت الفوضى والاضطرابات كل أرجاء لبنان، خاصة في بيروت. واضطر كاترو إلى المجيء إلى بيروت لدراسة الوضع القائم فيها، وإجراء خطوات سريعة لحل المسألة اللبنانية.
وتحت ضغط الاضطرابات الشعبيّة اللبنانيّة، والضغوط الدوليّة التي مورست على الحكومة الفرنسيّة، اضطرت فرنسا بعد أحد عشر يومًا من الأحداث إلى إعادة الحكومة الشرعيّة اللبنانيّة، والعمل بالدستور المعدل، واعادة مجلس النواب اللبناني. وظل الوضع كذلك إلى أن أجليت القوات الفرنسية كلها عن لبنان في آخر شهر ديسمبر عام 1946م، أي بعد حوالي خمسة أشهر من جلائها عن سوريا.
أما عن المجلس النيابي اللبناني بعد الاستقلال فأصبح يتألف من 99 نائبًا ينتخبون على أساس طائفي، ولمدة أربع سنوات. فيمثل النصارى 54 نائبًا، ويمثل المسلمين 45 نائبًا. إن توزيع النواب لم يكن يعبر عن عدد السكان بقدر ما وزع بناءً على المفهوم الطائفي، وبشكل غير متوازن.
وبمقتضى هذا العرف الجديد المرتبط بالدستور اللبناني الجديد يكون رئيس الجمهورية من الموارنة. وهو رئيس السلطة التنفيذية. وقد خصص منصب رئيس الوزراء اللبناني للمسلمين السنة، كما خصص منصب رئيس المجلس النيابي للمسلمين الشيعة. أما نائب المجلس النيابي فيكون للنصارى الأورثوذكس الشرقيين. وتشير الإحصاءات التقديرية إلى أن نسبة السكان المسلمين في لبنان زادت على نسبة السكان النصارى، إذ تقدر نسبة السكان المسلمين بـ 62%، لكن التقليد المعمول به منذ الاستقلال في توزيع المناصب السياسية قد بقي على ما هو عليه.
لبنان بعد الاستقلال
الاتجاهات السياسيّة في لبنان في فترة ما بين الحربين العالميتين
يتنازع لبنان قوتان سياسيتان رئيسيتان هما: قوة الجذب باتجاه الفكر العروبي والفكر الإسلامي، وهي قوة تظل ترتبط بالعرب ثقافة وحضارة وتاريخًا ومستقبلاً. وقوة ثانية تشد لبنان باتجاه بعيد عن الخط العربي والإسلامي، تدين بولائها إلى الغرب ثقافة وانفتاحًا. وظل هذا الصراع قائمًا إلى وقت قريب. فعلى الرغم من انفتاح لبنان على العالم بأسره، وبالرغم من ثقافة شعبه، وبالرغم من احتكاكه الطويل بشعوب العالم، إلاّ أن النزعة الضيقة والتعصب الطائفي ظلا يسيطران على بعض اتجاهاته السياسية من جهة، وعلاقة طوائفه بعضها ببعض من جهة ثانية. وأصبحت الانعزالية والنزعة الإقليمية حقيقة واقعة في لبنان، خاصة في فترة ما بين الحربين العالميتين، وظلت تلك النزعة اللبنانية تقف في صف معاد للنزعة الاتحاديّة مع العالم العربي خاصة مع سوريا.
لبنان بعد الاستقلال
أخذت الحكومة اللبنانية بعد الاستقلال تدعم موقفها في داخل البلاد، وخارجها. فقد شارك لبنان في المشاورات العربية التي تمخض عنها إنشاء جامعة الدول العربية عام 1945م.
لقد أبدى الوفد اللبناني في المشاورات العربية موقفا إيجابيا من موضوع إنشاء جامعة الدول العربية، وأعلن الوفد اللبناني أن لبنان مستعد للتعاون مع بقية الأقطار العربية في سبيل إيجاد نوع من الاتحاد أو الوحدة أو الجامعة التي تقدم الخير للجميع. وبناءً عليه فقد انضم لبنان إلى عضوية جامعة الدول العربية منذ تأسيسها عام 1945م. وانضم إلى عضوية هيئة الأمم المتحدة عام 1945م.
وبدأ لبنان يطور اقتصادياته بوساطة إقامة المشروعات الزراعية والصناعية، وتطوير مرافق السياحة حيث إن لبنان بلد سياحي مهم، ففيه الساحل الجميل، والجبال الجذابة الساحرة، وفيه مجموعة كبيرة من الآثار القديمة التي تعود إلى العهد الفينيقي والروماني وغيرهما. وتعدّ واردات الدخل القومي اللبناني من السياحة من أهم الموارد التي تغذي ميزانية لبنان. كما أن لبنان عمل على تنشيط الحركة التجارية فيه.
كما اهتم لبنان ببناء جيش وطني للدفاع عن استقلاله، وقد شاركت قوات من الجيش اللبناني مع الجيوش العربية الأخرى في الحرب العربية ـ الإسرائيلية عام 1948م.
والواقع أن مشكلة انتخابات رئاسة الجمهورية ظلت من المشكلات التي تواجه لبنان، كما هو الحال في انتخاب رئاسة الجمهورية عام 1943م، والمنافسة الشديدة بين بشارة الخوري والمرشح الآخر إميل إده. ولم يبق تأثير الانتخابات وقتها محليًا فقط، وإنما اتضح فيه التدخل الخارجي، فوقفت بريطانيا وبعض الكتل تدعم ترشيح الشيخ بشارة الخوري، ودعمت فرنسا وكتل أخرى المرشح إميل إده. وبقي الشيخ بشارة الخوري في الرئاسة حتى عام 1952م، حيث اضطر إلى التنازل عن الرئاسة. كما أن رئاسة كميل شمعون التي امتدت من عام 1952م حتى سنة 1958م، انتهت هي الأخرى بثورة شعبية ضد كميل شمعون، برزت فيها كوامن العداء التقليدي بين الاتجاهين السياسيين الرئيسيين اللذين سبقت الإشارة إليهما. وقد خلف كميل شمعون الرئيس اللبناني فؤاد شهاب ليعمل على تهدئة الموقف العام في لبنان، وظلت رئاسة فؤاد شهاب من عام 1958م حتى عام 1964م.
جاء إلى رئاسة الجمهورية اللبنانية الرئيس شارل الحلو الذي تسلم الرئاسة اللبنانية عام 1964م، وظل في الرئاسة حتى سنة 1970م وخلفه في الرئاسة سليمان فرنجية الذي تسلم الرئاسة اللبنانية عام 1970م. وفي عهد الرئيس سليمان فرنجية بدأت الحرب الأهلية اللبنانية. وفي عهد خلفه إلياس سركيس، تطورت الفتنة الأهلية بين الطوائف اللبنانية المختلفة، وقد أدت الحرب الأهلية التي اشتعلت عام 1975م إلى تقسيم العاصمة بيروت إلى قسمين: أ ـ بيروت الشرقية وأصبحت بيد حزب الكتائب أكبر أحزاب الطائفة المارونية. ب ـ بيروت الغربية، وأصبحت بيد الجماعات الإسلامية.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن خلافات دموية وقعت بين الجيش اللبناني والفدائيين الفلسطينيين عام 1969م، وحدثت بين الطرفين اصطدامات عسكرية، وكان ذلك في عهد رئاسة شارل الحلو. وفي عهد الرئيس إلياس سركيس دخلت قوات الردع العربية لبنان من أجل إنهاء الخلافات بين الجيش اللبناني والفدائيين الفلسطينيين في الجنوب اللبناني.
وتطورت الخلافات الطائفية في لبنان، وتأزم الموقف اللبناني، وتشكلت في لبنان قوات لَحْد الموالية لإسرائيل. واحتلت إسرائيل شريطًا حدوديًا من أرض لبنان. واجتاحت القوات الإسرائيلية لبنان، وحاصرت بيروت الغربية، وأصرت على خروج المقاومة الفلسطينية من بيروت بعد معارك طاحنة بين القوات الإسرائيلية والفدائيين الفلسطينيين. وبالفعل خرجت المقاومة الفلسطينية من بيروت في 1سبتمبر 1982م بعد صمودها في وجه اليهود تسعة وسبعين يومًا وبعد أن تعهدت الحكومة اللبنانية والحكومة الأمريكية لمنظمة التحرير الفلسطينية بتأمين سلامة المقاتلين الفلسطينيين، وسلامة المدنيين الأبرياء من الفلسطينيين الباقين في بيروت.
لم تلتزم إسرائيل بالاتفاقات الدولية بخصوص مسألة لبنان، ومسألة الفلسطينيين المدنيين في بيروت، فسيطرت القوات الإسرائيلية على بيروت الغربية يوم الخميس 16 سبتمبر 1982م، وفرضت حظر التجول، وأغلقت جميع الطرق المؤدية إلى العاصمة، واقتحمت البيوت بحجة جمع الأسلحة، وقصفت مخيمي صبرا وشاتيلا بالمدافع، ثم حاصرته بما يزيد على 150 دبابة و100 ناقلة و14 عربة مدرعة و20جرافة، وبدأت المذبحة الشنيعة التي نفذتها القوات اللبنانية الموالية لإسرائيل وذهب ضحيتها الآلاف من الفلسطينيين العزل.
وقد انتخب رئيس ميليشيات الكتائب، المعروفة بالقوات اللبنانية، بشير الجميل رئيسًا للجمهوريّة اللبنانيّة، إلا أنه اغتيل بعد ظهر يوم الثلاثاء 14 سبتمبر 1982م، في بيروت الشرقية في مقر حزب الكتائب بالأشرفية على إثر انفجار شحنة ناسفة. واختير شقيقه أمين الجميل رئيسًا للجمهورية اللبنانية ليكون خلفًا لأخيه بشير الجميل. عين أمين الجميل الجنرال ميشيل عون خليفة له عام 1988م، إلا أن مجلس النواب انتخب رينيه معوض رئيسًا للبلاد عام 1989م. اغتيل معوض في 22 نوفمبر 1989م، وانتخب النواب إلياس الهراوي رئيسًا للبنان. وفي عام 1990م استطاعت القوات العربية هزيمة قوات عون الذي اختار فرنسا منفى له.
وللبنان وضع خاص؛ إذ يكثر المسلمون السنة في مدينة طرابلس وشمال لبنان، ومناطق الساحل. ويكثر المسلمون الشيعة في جنوبي لبنان ولهم مناطقهم وقراهم فيه، بالإضافة إلى مدينة بعلبك.وتكثر الجماعات الدرزيّة في منطقة الشوف والمتن، ويكثر الوجود النصراني في منطقة الجبل في شمالي الطريق الواصل بين بيروت ودمشق.
وقد توقفت الحرب الأهلية الطائفية في لبنان على أثر الجهود التي بذلتها المملكة العربية السعودية في سبيل وقف نزيف الدم اللبناني، وبمساعدة دولية، فوقع اتفاق الطائف عام 1991م، وهو اتفاق مصالحة للطوائف اللبنانية من أجل إنهاء الفتنة الأهلية اللبنانية. وظلت المملكة العربية السعودية تعمل على تهدئة الموقف في لبنان، وأعلنت عن استعدادها الكامل للمساهمة والمشاركة في تعمير لبنان، وعودة الأمن والاستقرار فيه. وفي عهد رئاسة إلياس الهراوي، تسلم رفيق الحريري، رجل الأعمال رئاسة الوزراء في لبنان للعمل على إعادة الحياة الاقتصادية والعمرانية في لبنان إلى سابق عهدها.
وشاركت لبنان في مؤتمر مدريد للسلام عام 1993م، الذي عقد بإشراف دولي لحل مشكلة الشرق الأوسط. ودخلت لبنان مع إسرائيل وبعض الدول العربية الأخرى ومنظمة التحرير الفلسطينية في مفاوضات مباشرة لإنهاء النزاع العربي الإسرائيلي، وهدف لبنان الأول من تلك المفاوضات هو إخراج القوات الإسرائيلية من الشريط الحدودي الذي تحتله منذ وقت طويل.
وماطلت إسرائل كثيرًا في محادثاتها على المسار اللبناني خاصة بعد انتخاب بنيامين نتنياهو رئيسًا لوزراء إسرائيل في 29 مايو 1996م. وفي أبريل 1998م، أجبرت عمليات المقاومة اللبنانية إسرائيل على قبول قرار الأمم المتحدة رقم 425 القاضي بالانسحاب من جنوب لبنان وذلك بعد حوالي 20 سنة من صدوره. وفي نفس العام، 1998م، تم إجراء أول انتخابات رئاسية بعد نهاية الحرب الأهلية فاز فيها قائد الجيش العماد أميل لحود. وفي يونيو 2000م، أجبرت عمليات حزب الله والمقاومة اللبنانية المتواصلة القوات الإسرائيلية على الانسحاب من الأراضي اللبنانية كلها عدا مزارع شبعا التي يعمل لبنان على استعادتها. وفي سبتمبر 2000م، فاز الرئيس رفيق الحريري، ولائحته المعروفة باسم الكرامة في دوائر بيروت الانتخابية الثلاث وباجماع لا مثيل له في تاريخ المدينة السياسي، وشكل الحريري حكومة جديدة في العام نفسه.